إمبراطورية المال والإعلام.. كيف يسخّر 7 مليارديرات منصات عالمية لخدمة الصهيونية؟
السبت - 6 ديسمبر 2025
"إنسان للإعلام"- فريق التحرير:
لم تعد السيطرة على الإعلام حكرًا على الحكومات والمؤسسات التقليدية، بل انتقلت خلال العقدين الأخيرين إلى أيدي نخبة ضيقة من أثرياء العالم، جمعوا بين الثروة الطائلة والتكنولوجيا والقدرة على توجيه الرأي العام.
ومع تصاعد العدوان الصهيوني على غزة على مدى عامين، كشفت الوقائع عن دور متنامٍ لهؤلاء المليارديرات في هندسة المشهد الإعلامي العالمي بما يخدم السردية الصهيونية، عبر امتلاكهم أو إدارتهم لأكبر الشبكات الإخبارية ومنصات التواصل وشركات التكنولوجيا.
هذا التقرير يرصد،كيف يقود أغنى سبعة مليارديرات في العالم إمبراطورية الإعلام الجديدة، وكيف تحولت هذه الإمبراطورية إلى أداة دعائية وسياسية في خدمة الكيان الصهيوني.
احتكار الإعلام بين المال والولاء الصهيوني
مع اقتراب الملياردير الأمريكي لاري إليسون، ثاني أغنى رجل في العالم، من الاستحواذ على شبكة CNN الإخبارية، تكتمل –وفق معطيات المشهد– حلقة احتكار رأس المال الصهيوني للإعلام الأمريكي، بما يحمله ذلك من تداعيات مباشرة على الإعلام الدولي.
إليسون، مؤسس شركة Oracle العملاقة في مجال التكنولوجيا، تجاوزت ثروته مؤخرًا حاجز 393 مليار دولار، وترتبط شركته بعقود استراتيجية مع وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية CIA، ولا يقتصر حضوره على عالم المال والتكنولوجيا، بل يُعرف بأنه أحد أبرز حلفاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وأكبر ممولي الحزب الجمهوري، فضلًا عن كونه –وفق توصيف صحفي متواتر–أكبر متبرع فردي لجيش الاحتلال الصهيوني.
في إحدى حفلات جمع التبرعات، قال إليسون نصًا: "في جميع الأوقات العصيبة منذ تأسيس إسرائيل، استدعينا الرجال والنساء الشجعان في الجيش الإسرائيلي للدفاع عن وطننا… لا يوجد شرف أعظم من دعم بعض أشجع الناس في العالم".
ومع إتمام صفقة شراء Paramount Skydance (وهو الكيان الإعلامي المتوقع أو المقترح الناتج عن اندماج شركة Paramount Global وشركة Skydance Media) لتكتل Warner Brothers Discovery الإعلامي، سيصبح إليسون المالك الفعلي لعدد من أهم استوديوهات إنتاج الأفلام وشبكات البث والخدمات الإخبارية في العالم، من بينها HBO وCNN وDiscovery+، ما يعني تركيزًا غير مسبوق للقوة الإعلامية في يد ملياردير واحد.
ولا يقف نفوذ إليسون عند الإعلام التقليدي، إذ بات يسيطر فعليًا على منصة TikTok، التي يعدها الشباب الأمريكي المصدر الأول للترفيه والأخبار، وذلك بموجب أمر تنفيذي أصدره ترامب، فرض فيه على الشركة الصينية المالكة بيع المنصة لتحالف تقوده Oracle المملوكة لإليسون.
تغيير القيادات وإعادة الهندسة غرف الأخبار
أولى خطوات السيطرة تظهر بوضوح في التغيير المباشر للقيادات التحريرية. فعندما استحوذ ديفيد إليسون، نجل لاري إليسون، قبل أشهر على شركة Paramount Global، كان قراره الأول تعيين باري فايس –التي تصف نفسها علنًا بأنها "متعصبة صهيونية"– رئيسة لتحرير شبكة CBS News، وبمجرد توليها المنصب، بدأت الشبكة في التخلص من الأصوات المصنّفة "معادية للسامية"، وهو الوصف الذي يُطلق، في هذا السياق، على الأصوات المنتقدة لـ"إسرائيل" والرافضة للعدوان على غزة.
بهذه السيطرة المتكاملة على أهم مصادر الأخبار الأمريكية، يكتمل –وفق مراقبين– نفوذ ما يُعرف بـ"العظماء السبعة"، أي أغنى سبعة مليارديرات في العالم، على مفاصل المشهد الإعلامي العالمي، بأذرعه التقليدية الراسخة ومنصاته الرقمية الحديثة.
وفي مفارقة لافتة، كشفت صحيفة "جيروزاليم بوست"، في 22 سبتمبر/أيلول 2025، عن أسماء ستة مليارديرات أمريكيين من أصول يهودية يمولون حروب "إسرائيل" ويدعمونها سرًا بمليارات الدولارات دون الظهور في الواجهة.
وبعض هؤلاء، بحسب الصحيفة، يسيطرون في الوقت ذاته على مفاصل الإعلام الأمريكي والعالمي، وهؤلاء هم: جان كوم، مايكل ديل، بيل أكمان، مارك بينيوف، لاري إليسون، مايكل بلومبرج.
أباطرة المال وتقسيم "الوليمة الإعلامية"
الصحفي المقيم في الولايات المتحدة هاني الكونيسي يلفت إلى أنه، إلى جانب إمبراطور المال لاري إليسون، يتحلق ستة آخرون من كبار الأثرياء حول “الوليمة الإعلامية”، لكل منهم دور وتأثير:
أولًا: إيلون ماسك: اشترى منصة "تويتر" عام 2022، وحوّلها إلى X، لتصبح منبرًا للأفكار اليمينية المتطرفة. روّج ماسك علنًا لإسقاط الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، كما عدّل برنامج الذكاء الاصطناعي Grok لإنتاج ردود "مدروسة" تتناسب مع توجهاته الأيديولوجية.
ثانيًا: جيف بيزوس: مؤسس “أمازون”، استحوذ عام 2013 على صحيفة "واشنطن بوست"، وأقدم لاحقًا على فصل كتّاب معارضين للحرب. كما امتدت إمبراطوريته الإعلامية إلى شراء منصة البث Twitch، واستوديو الأفلام MGM، ومنصة الكتب الصوتية Audible.
ثالثًا: مارك زوكربيرج: مالك فيسبوك وإنستغرام وواتساب، لم يتردد في مواءمة منصاته مع خطاب حركة "اجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى" MAGA، بما في ذلك إقالة فرق التحقق من المعلومات، وفرض سياسات رقابة وفلترة وُصفت بأنها "مسيّسة".
رابعًا وخامسًا: سيرجي برين ولاري بيج: مؤسسا محرك البحث الأكبر عالميًا Google، ومالكا منصة الفيديو الأولى YouTube، فرغم انتمائهما إلى التيار الليبرالي وعدم دعمهما العلني لترامب أو اليمين المتطرف، إلا أنهما تعرضا لانتقادات متكررة بسبب آليات الرقابة والترشيح التي تطبقها منصاتهما لصالح "أطراف بعينها".
القاسم المشترك: الولاء العلني للكيان الصهيوني
رغم اختلاف الخلفيات السياسية لهؤلاء المليارديرات، فإن القاسم المشترك بينهم هو الولاء العلني لـ"إسرائيل" واعتناق الفكر الصهيوني، وهو ولاء تُرجم إلى أفعال وسياسات ملموسة:
- في عام 2024، التقى ديفيد إليسون بجنرال إسرائيلي لبحث التعاون في مشروع تجسس يستهدف مواطنين أمريكيين مشاركين في نشاط مؤيد لفلسطين.
كما أعلنت سافرا كاتز، الرئيسة التنفيذية لشركة Oracle في "إسرائيل"، أن الشركة تقف مع "إسرائيل"، مؤكدة أن "التزامنا تجاه إسرائيل لا يضاهيه شيء". - في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، زار إيلون ماسك "إسرائيل" معلنًا دعمه الكامل لحرب الإبادة في غزة، ووقّع اتفاقية تمنح الحكومة الإسرائيلية "سيطرة وإشرافًا" على بوابات اتصالات Starlink، ووصف بنيامين نتنياهو منصة X بأنها من "أهم أسلحة إسرائيل في الحرب".
- منذ عام 2016، أظهرت منصات زوكربيرج تحيزًا صارخًا للسردية الصهيونية، إذ استجاب فيسبوك لـ 95% من طلبات الحكومة الإسرائيلية لإزالة المحتوى المؤيد للفلسطينيين.
وتعمق هذا المسار بتعيين إيمي بالمور، الجاسوسة السابقة في وحدة الاستخبارات الإسرائيلية 8200، ضمن مجلس الإشراف على محتوى المنصة.
رقابة مشددة ضد المحتوى الفلسطيني
قدّم تقرير صادر عن "هيومن رايتس ووتش" أدلة موثقة على رقابة منهجية ضد المحتوى الفلسطيني على فيسبوك وإنستغرام، إذ تبين أن 1049 مادة من أصل 1050 خضعت للفحص كانت تعبيرات سلمية تمامًا عن دعم فلسطين.
أما واتساب، فتؤكد تقارير أنه يُستخدم من قبل جيش الاحتلال في "تتبع واستهداف عشرات الآلاف من الأشخاص في غزة"، في وقت ثبت توظيف مئات من عملاء الوحدة 8200 السابقين داخل شركة Meta.
أيضا وقعت شركتا غوغل وأمازون عقدًا مشتركًا بقيمة 1.2 مليار دولار مع الحكومة "الإسرائيلية" لتوفير خدمات الحوسبة السحابية والبنية التحتية للذكاء الاصطناعي لجيش الاحتلال، وهي تقنيات استُخدمت في مراقبة المدنيين في غزة والضفة الغربية، ما أثار احتجاجات واسعة بين موظفي الشركتين.
وتشير تقارير إعلامية أمريكية إلى وجود ما لا يقل عن 99 جاسوسًا سابقًا من الوحدة 8200 يعملون في مناصب رئيسية داخل غوغل وحدها.
تكشف هذه الوقائع أن معركة الوعي في العالم يسيطر عليها عدد محدود من المليارديرات، باحتكار المنصات، وتوجيه الخوارزميات، وتطويع غرف الأخبار، كولها أدوات تَصُب في خدمة السردية الصهيونية.
وبينما يُقدَّم هذا النفوذ تحت عناوين الاستثمار و"حرية السوق”، فإن نتائجه تتجلى بوضوح في تغييب الرواية الفلسطينية، وتطبيع الإبادة، وتحويل الإعلام العالمي إلى جزء من آلة الدعاية الصهيونية.
وفي ظل هذا الواقع، يبقى السؤال مطروحًا: من يملك القدرة على كسر هذا الاحتكار، واستعادة التوازن الأخلاقي والمهني للإعلام العالمي؟
